روائع مختارة | روضة الدعاة | أدب وثقافة وإبداع | رسم السياسات.. داخل المؤسسات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > أدب وثقافة وإبداع > رسم السياسات.. داخل المؤسسات


  رسم السياسات.. داخل المؤسسات
     عدد مرات المشاهدة: 2843        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. . . وبعد:

إن من النجاحات الكبيرة التي خطها العمل المؤسسي الإسلامي للبشرية، رسم الأهداف والسياسات العامة، التي تضعها القيادة العليا، أو ما يسمى اليوم بإدارة مجالس المؤسسات، لمدرائها التنفيذيين، حتى يعملوا على تحقيق أهداف المؤسسة وفق تلك السياسات والأهداف.

والمتأمل في آيات القرآن الكريم التي بينت الحدود أو الأطر التي ينبغي للمسلم مراعاتها، وعدم تعديها، كثيرة، من مثل قوله تعالى: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}، إنه المنهج الرباني الذي لا يحابي أحدا.

والذي يبين أن لصاحب الملك أن يضع خطوطا حمراء، لا يحق لمن يعمل لديه أن يتجاوزها، ولله المثل الأعلى، ولذلك كان محمدا صلى الله عليه وسلم خير من رعى مراد الله، ووقف عند حدوده، وإنما كان اجتهاده صلى الله عليه وسلم فيما أذن الله له فيه بالاجتهاد.

وحادثة واحدة من أحداث السيرة النبوية العطرة تبين لنا ذلك النهج في الوقوف عند الحدود التي حدها الله تعالى، ففي سبب نزول قوله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم}.

جاء في روايات متعددة أنها نزلت في سرية عبد الله بن جحش، رضي الله عنه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه مع ثمانية من المهاجرين ليس فيهم أحد من الأنصار، ومعه كتاب مغلق، وكلفه ألا يفتحه حتى يمضي ليلتين، فلما فتحه وجد به: «إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل بطن نخلة- بين مكة والطائف- ترصد بها قريشا، وتعلم لنا من أخبارهم، ولا تكرهن أحدا على المسير معك من أصحابك».

وكان هذا قبل غزوة بدر الكبرى، فلما نظر عبد الله بن جحش في الكتاب قال: سمعا وطاعة، ثم قال لأصحابه: قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى بطن نخلة أرصد بها قريشا حتى آتيه منها بخبر، وقد نهى أن أستكره أحدا منكم، فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأنا ماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف أحد منهم.

فسلك الطريق على الحجاز حتى إذا كان ببعض الطريق ضل بعير لسعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان، رضي الله عنهما، فتخلفا عن رهط عبد الله بن جحش ليبحثا عن البعير ومضى الستة الباقون، حتى إذا كانت السرية ببطن نخلة مرت عير لقريش تحمل تجارة، فيها عمرو بن الحضرمي وثلاثة آخرون.

فقتلت السرية عمرا ابن الحضرمي وأسرت اثنين وفر الرابع وغنمت العير، وكانت تحسب أنها في اليوم الأخير من جمادى الآخرة، فإذا هي في اليوم الأول من رجب، وقد دخلت الأشهر الحرم، التي تعظمها العرب.

وقد عظمها الإسلام وأقر حرمتها، فلما قدمت السرية بالعير والأسيرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام»، فوقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، سقط في أيدي القوم، وظنوا أنهم قد هلكوا؛ وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا، وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم.

وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال، وقالت اليهود تفاءلوا بذلك على محمد، عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله، عمرو: عمرت الحرب، والحضرمي: حضرت الحرب، وواقد بن عبد الله: وقدت الحرب.

فتأمل وقوفه صلى الله عليه وسلم عند حدود الله تعالى، حيث يعلم صلى الله عليه وسلم أن الله حرم القتال في الأشهر الحرم، قال تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن}، وكيف أنه صلى الله عليه وسلم، لم يقبل تعدي تلك السرية للسياسة المرسومة، للمؤسسة العسكرية آنذاك، وهو عدم القتال في الأشهر الحرم.

ولنا أن نستفيد من هذا النهج القويم في حياتنا العملية، حيث ينبغي لمجالس إدارات المؤسسات الدعوية، أن تضع سياسات العمل، التي لا يصح للمدراء التنفيذيين تجاوزها، ولتكون كذلك حكما بينهم عند نشوب الخلاف.

ولا يصح بحال من الأحوال أن تترك المؤسسة الحبل على الغارب لمديرها التنفيذي، بدون أهداف عليه تحقيقها، أو سياسات عليه مراعاتها وعدم تعديها، ثم إذا ما فشلت المؤسسة، التي هكذا وضعها، قاضت المدير التنفيذي على ذلك الفشل.

المصدر: موقع عودة ودعوة